التفريط في تماسك جمهورية طائفية عمر نشابة السبت 9 آب 2025 وضعت المقررات التي صدرت عن مجلس الوزراء البلد على كف عفريت. ر
التفريط في تماسك جمهورية طائفية
عمر نشابة
السبت 9 آب 2025
وضعت المقررات التي صدرت عن مجلس الوزراء البلد على كف عفريت. رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الذي يفترض أن يكون «رمز وحدة الوطن» بحسب المادة 49 من الدستور، أصبح بالنسبة إلى جزء لا يستهان به من الشعب اللبناني منحازاً إلى فريق على حساب فريق آخر، لا بل أصبح خصماً للشيعة في لبنان كما يتكرر على لسان عدد من أهلنا في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت.
أما رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام، فهو كما وصفه لي أحد زملائه المقربين إليه من أيام الدراسة بـ«الفرنساوي»، فلا عجب بأنه أقدم على خطوته الانقلابية على التماسك الوطني ساعات قليلة بعد عودته من باريس واجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الفقرة «ياء» من مقدمة الدستور (التي تعد جزءاً لا يتجزأ منه) تنص حرفياً على أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
ماذا يعني ذلك؟
ميثاق العيش المشترك يشير إلى وثيقة «اتفاق الطائف»، وهو اتفاق الوفاق الوطني الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، ورسّخ مبدأ العيش المشترك والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف اللبنانية ضمن دولة واحدة مستقلة. فهل يُعقل أن تُعدّ مقررات اتخذها مجلس الوزراء بعد انسحاب جميع الوزراء الشيعة اعتراضاً عليها، متناسبة مع مبدأ العيش المشترك والتعايش السلمي بين الطوائف؟ وهل يمكن أن تصل الوقاحة في التبرير إلى الحسم بأن وجود وزراء مسلمين في المجلس بعد انسحاب الشيعة، يستوفي متطلبات الميثاقية، وفي حال غاب الموارنة مثلاً عن الجلسة، واستيعض عنهم بكاثوليك، فهل يكون مجلس الوزراء ميثاقياً؟
أما الفقرة «دال» فتحدد أن «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية». المؤسسات الدستورية كرئاسة الجمهورية مثلاً ومجلس الوزراء ومجلس النواب، يفترض أن تحترم إرادة الشعب بكل أطيافه. وكما لا يمكن نفي وجود شريحة واسعة من اللبنانيين تؤيد ما ورد في المقررات التي صدرت أول من أمس عن مجلس الوزراء، لا يمكن نفي وجود شريحة واسعة ترفض تلك المقررات.
وقد طلب الوزراء الشيعة تأجيل استكمال البحث في المواضيع الخلافية ولا شك أن مسؤولية رئيس الجمهورية الدستورية كانت رفع الجلسة أو تأجيلها لمنع خروج الوزراء الشيعة من الاجتماع. لكن الرئيس، «رمز وحدة الوطن» لم يفعل، وبالتالي لا شك أنه بكل أسف فرّط بوحدة الوطن وبتماسك الجمهورية الطائفية القائمة في لبنان. لماذا فعل ذلك؟ قالت أوساط من القصر الجمهوري أمس لأحد المقربين منها إن الرئيس كان قد حصل على تطمينات وتأكيد من حزب الله ومن الرئيس نبيه بري أنهما لا يمكن أن يقوما بأي تحرّك يهدّد السلم الأهلي. فلا خوف من العودة إلى الفوضى. ويمكن، تلبية لمشيئة واشنطن وباريس والرياض، تجاوز التوافق الداخلي والتوافق الطائفي.
هل يكون مجلس الوزراء ميثاقياً إذا غاب الموارنة مثلاً واستعيض عنهم بالتمثيل الأورثوذكسي أو الكاثوليكي؟
وبما أن قوى خارجية تموّل حالياً عدداً كبيراً من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة والإلكترونية في لبنان، يبادر عشرات «الخبراء الدستوريين» و«المحللين الإستراتيجيين» و«المراجع القانونية» إلى تبرير ميثاقية مقررات مجلس وزراء بغياب مكوّن أساسي من مكوّنات الشعب اللبناني.
وفي هذا الإطار، لا بد من طرح ثلاثة تساؤلات مركزية:
مبدأ السيادة الوطنية وكرامة الجمهورية
هل يجوز الانصياع لبرنامج سياسي خارجي يضع أمن الكيان الإسرائيلي أولوية تتفوق على تأمين المصالح اللبنانية؟ وهل يمكن أن ينكر فخامة الرئيس حرص المبعوث الأميركي توماس بارّاك وزميلته موغان أورتيغوس على أمن «إسرائيل» أكثر من حرصهما على أمن وسلامة وحياة الجنوبيين اللبنانيين الذين يتمّ قتلهم وقصفهم يومياً منذ إعلان وقف الأعمال العدائية في تشرين الأول من العام الماضي؟
العقد الاجتماعي وواجب الدولة في طرد الاحتلال
هل تم شراء منظومة صواريخ أرض جو دفاعية متطوّرة وقادرة على حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية؟ واضح للجميع أن الأميركيين والفرنسيين ودول «الحضن العربي» يرفضون تزويد الجيش بأسلحة متطوّرة، ولكن لماذا لا تُبذل مساعٍ لتأمين هذه الأسلحة من مصادر أخرى؟ أو هل يمكن لفخامة الرئيس وهو القائد السابق للجيش أن يصارح اللبنانيين بأن الجيش ممنوع من التسليح وهو بالتالي غير قادر على حماية لبنان؟ وألا يقتضي ذلك العجز البحث عن سبل أخرى للدفاع مثل المقاومة الشعبية والطرق غير التقليدية للقيام بالدفاع عن لبنان؟
وحدة الوطن وتماسك الجمهورية
ألم يكن من الحكمة تأجيل البت بموضوع سلاح المقاومة إلى موعد لاحق وبعد التوسّع في دراسته وعدم التفريط بالمصالح الوطنية وبالوحدة الوطنية؟ إذ إن هذا القرار يطيح حتى بتماسك الجمهورية القائمة على أساس طائفي. فكيف أمام وحدة لبنان كوطن لا يميّز بين أبنائه؟
الرئيس عون هو رئيس الجمهورية وليس مجرد رئيس للدولة، ألا يفرض عليه ذلك أن يكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين الذين يشكلون أساس الجمهورية؟
ان ما ينشر من اخبار ومقالات لا تعبر عن راي الموقع انما عن رأي كاتبها